الرعاية الصحية والطبابة عن بعد

تم إجراء أول جراحة عن بعد بنجاح لمريض في ستراسبورغ (Strasbourg) في فرنسا، بواسطة البروفيسور جاك ماريسكو (Jack Marisco) عام 2001م، وأُطلق عليها اسم عملية ليندبيرغ (LINDBERGH)، وكانت عبارة عن استئصال مرارة بمساعدة الجراحة عن بعد، وتم الانتهاء من العملية في غضون 54 دقيقة دون حدوث أي مضاعفات.

أما في الهند، فقد تم إجراء أول جراحة عن بعد عام 2004م، وكانت عملية جراحية للغدة الدرقية، قام بها مجموعة من الأطباء الاختصاصيين في معهد سانجاي غاندي العالي للعلوم الطبية (Sanjay Gandhi PostGraduate Institute of Medical Sciences) (SGPGIMS)، وقد تمت هذه العملية من خلال توجيه مجموعة من الجراحين في الهند عن بعد، وكان نجاح هذه العمليات عن بعد بمثابة إعلان انطلاق الجهود المتواصلة لتطوير تقنيات الرعاية الصحية عن بعد. 

وتشير دراسة أكاديمية أعدها باحثون من جامعتي بنتلي (Bentley University)، وسانت لويس (Saint Louis) إلى أنه تم إدخال الرعاية الصحية والتطبيب عن بُعد بداية في أواخر الستينيات بسبب متطلبات وكالة ناسا ومعهد نبراسكا لعلم النفس، لكن، واجه تطور التطبيب عن بعد عقبات على مدار الخمسين عاماً الماضية؛ نظراً لعدم توفر التكنولوجيا الكافية لإجرائه في ذلك الوقت، بالإضافة إلى وجود عقبات تنظيمية أخرى، لكن، ساعد تطور التكنولوجيا الرقمية الحديثة على تطور الرعاية الصحية عن بعد بشكل كبير. 

وقد كان تأسيس شركة تيلادوك (Teladoc) في ولاية تكساس من قبل رائد الأعمال ميشيل جورتن (Michael Gorton) كشركة رائدة عالمياً في مجال الرعاية الصحية الافتراضية للأفراد عام 2002م بمثابة الانطلاقة الحقيقية لجهود تطوير تكنولوجيا تقديم الرعاية الصحية عن بعد، تعمل الشركة على تقديم تكنولوجيا للاتصال مع فريق من الأطباء العالميين؛ بهدف تحسين الرعاية الصحية لجميع الناس حول العالم. 

ونتيجة لاستخدام التكنولوجيا التي تقدمها شركة تيلادوك (Teladoc)، أصبح بإمكان المرضى الآن الوصول إلى شبكة واسعة من الأطباء المعتمدين المتاحين على مدار الساعة؛ لمتابعة الحالات الطبية الطارئة على مدار العام، هذا وتبلغ تكلفة استشارات تيلادوك (Teladoc) أربعين دولاراً وليس لها حد زمني، على عكس عيادات الأطباء التقليدية. 

ويبلغ متوسط مدة الاستشارة الطبية على تيلادوك (Teladoc) عشر دقائق، وتتم معاودة الاتصال من الطبيب في غضون عشر دقائق، وهي القاعدة بالنسبة إلى 95% من العملاء. فعادة ما يحتاج الأشخاص الذين يسافرون كثيراً، ويواجهون مشكلات صحية طارئة إلى وصفة طبية مثل المضادات الحيوية، كما أنهم يعتقدون أنهم بحاجة إلى خدمات أخصائي، لذا،فهم يتجهون إلى تيلادوك (Teladoc)؛ من أجل الاستفادة من الخدمات المقدمة. وتُقدَّر قيمة شركة تيلادوك (Teladoc) حالياً بحوالي 3.6 مليار دولار في فبراير 2024.  

أما شركة بيوفورميس (Biofourmis)، فهي تختص بتوفير أجهزة ومنصات المراقبة عن بعد، وتعد هذه الشركة شركة عالمية رائدة في العلاجات الرقمية، فهي تجمع بين قوة الذكاء الاصطناعي والبيانات التي يتم الحصول عليها من الأجهزة القابلة للارتداء؛ لتمكين الرعاية الشخصية، وقد تأسست الشركة من قبل رائد الأعمال كولديب سينغ راجبوت (Kuldeep Singh Rajput) عام 2015م في بوسطن في الولايات المتحدة.

هذا وقد حصلت الشركة على استثمار قياسي بقيمة 300 مليون دولار من الجولة التمويلية الرابعة، وفق البيانات المنشورة في مجلة فوربس (Forbes)، الأمر الذي جعلها شركة مليارية (يونيكورن) بقيمة 1.3 مليار دولار، وتسمح التقنية التي طورتها الشركة بمراقبة المرضى وعلاجهم في الوقت الفعلي، وقياس الفاعلية، وتغيرات الجرعة، وأي تغيرات سلبية على المستوى الفردي.  

في الختام، تزداد أهمية سوق الرعاية الصحية ومفهوم الطبابة عن بعد يوماً بعد يوم، خاصة مع تطور التكنولوجيا المختصة بهذا المجال، ويزيد هذا الأمر من القدرة على تقديم خدمات بشكل أسرع وأكثر دقة، كما يُحفِّز النمو المتسارع في هذا السوق روادَ الأعمال المتخصصين على الابتكار وتطوير أعمالهم في هذا المجال.